Enjil Al Yawm-Tafsir- 27/02/11

إِنَّ لغز الوضع البشريّ، يبلغ الذّروة أمام الموت. فما يُؤلم الإنسان ويقضُّ مضجعه، ليس الألم وحده ولا ٱنحطاط جسده تدريجيًّا، ولٰكن بالأحرى الخوف من فناءٍ نهائي. إنّها حقيقة نلمسها يوميًّا، ولٰكن ما يُطمئن بالنا ويقوّينا ويعزّينا هو إيماننا المسيحيّ بأنّ الله خلق الإنسان لآخرة سعيدة ودعاه ولا يزال يدعوه ليتّحد به بملء كيانه إِتّحادًا أبديًّا.
هٰذه حقيقة حتميّة للمؤمن. وإنّما نخاف ونُحذّر من خطورة الوقوع في خطر الرّبّ الثّاني أي الغنى الّذي يُشكّل إجحافًا بحقّ الفقراء. وإنجيل اليوم “الغنيّ ولعازر” خير دليلٌ لما فيه من إجحاف وبراهين، وتفاسير، وتنابيه أكّدها الرّبّ يسوع لئلّا نقع فيها في حياتنا الزّمنيّة وهي التّالية:
أوّلًا: إذا راجعنا لوقا (6: 24): “ولٰكن، ٱلويل لكم، أيّها الأغنياء، لأنّكم نلتم عزاءكم”، هٰذه الآية تُفسر تعليم الرّبّ في خطر الغنى على الإنسان: فهو ربّ ثانٍ، وباب هلاك أبديّ! إنّه سعادةٌ ناقصة ومحدودة، لأنّه يرفض مشاركة الآخرين. وبالتّالي يَسدُّ الأحشاء عن الفقراء ، يغذّي الأنانية، يَحتكر الغنى، فيكون الرّبح على حساب العائلة والدّين. هٰذه أبهى الخطورة. مع العلم بأنّ يسوع لا يُحرّم الغنى، لأنّه حقٌّ مشروعٌ لكرامة الإنسان يَسدُّ به حاجاته الحياتية، ليتفرّغ لخلاص نفسه. من هنا المثل الرّهبانيّ المشهور: “ما بدّي فلوسكن بدّي نفوسكن”.
ثانيًّا: بعد التّفسير يُنبّه ويؤكّد على أَنّ تقرير مصير إلإنسان النّهيويّ يتمّ حالًا بعد موته؛ لذا عليه أن يلجأ إلى التّوبة ليتجنّب سوء المصير لا بواسطة معجزة، كأنْ يعودَ ميتٌ لينذره، بل بالإيمان، بما علّم الأنبياء والرّسل في الكتب المقدّسة، وهو مختصر تعليم الكنيسة المقدّسة.
ثالثًا: الغنى الأعمى يُشكّل إجحافًا بحقّ الفقراء وإلّا لما ٱكتفى لعازر المسكين بما هو دون الكفاف اليوميّ: بالفتات المتساقط من مائدة الغنيّ. ولا رضيَّ بوضعه القائم، إذ لا مجال له للتّغيير، لذٰلك بقي على باب الغنيّ. فكان الصّبر سلاحه اليوميّ.
أخي المؤمن:
إن كنت مؤمنًا بحقّ أتخاف من الموت الّذي هو عبور لمشاهدة الوجه الإلٰهي؟ ألا تذكر ما قاله الرّبّ لعبده موسى “لا أحد يرى وجه الله ويعيش”. بل عليك أن تخاف من العدم أي هلاك النّفس، لذا تأمل في كلام الرّبّ يسوع ما قاله في إنجيل متّى (10:28): “لا تخافوا ممّن يقتلون الجسد، ولا يقدرون أن يقتلوا النّفس، بل خافوا بالحريّ ممّن يقدر أن يهلك النّفس والجسد معًا في جهنّم”.
إن كنت مؤمنًا بحقّ هل تنسى ما قاله أحد القدّيسين بشكل مختصر بمعنى “يوم ولدنا بدء العدّ العكسي للنّهاية” وقال آخر:”اليوم الّذي يمضي من حياتنا يُطرح من مجموع أيّامنا حياتنا الباقية”
إن كنت مؤمنًا بحقّ ما معنى وضعُ قطعةٍ أو شريطةٍ بيضاء على الصّليب في الكنيسة يوم عيد القيامة المجيدة وتبقى حتّى يوم العنصرة عيد حلول الرّوح القدس على التّلاميذ؟ أليست علامة الظّفر والنّصر والغلبة على الموت بقيامة الرّبّ يسوع من بين الأموات؟
أخي المؤمن بعد التّأمل ضميريًّا في هٰذه الأسئلة الثّلاث الّتي ٱختصرناها لضيق الوقت، تعال نحاول مع الوقت، ومن الأفضل إن كانت فينا جرأةٌ نقطع عهدًا بأنّ يوم نفقد عزيزًا ومهما كان نواجه الحدث بإيمانٍ ٱقتداءً بأيوب الصّديق “الرّبّ أعطى والرّبّ أخذ” لذا علينا أوّل ذي بدء إقامة الصّلوات والتّضرعات والاحتفال بالذّبيحة الإلٰهية. ونتخلى عن حرقة الدّموع وهستريّة التّصرّف وملامة الرّبّ وعدم الاتّشاح باللّباس الأسود علامة الحزن بل باللّباس الأبيض علامة الفرح بولادة من فقدنا في الملكوت السّماويّ ٱقتداءً بأطفالنا يوم العماد وبالمريمات يوم إثنين الحوارييّن بعد أحد القيامة. متذكّرين قول القدّيس شربل لوالدته يوم جاءت لزيارته ولم يُقابلها “بشوفك بالسّماء”
هٰذا هو الإيمان الحقيقيّ، من أراد أن يسلكه نال الظّفر والرّبّ لا يحابي الوجوه “ليتك كنت حارًا أو باردًا”. قد يقول قائلٌ أنّ الرّبّ حَزِنَ وبكى على قبر لعازر صحيح. ولٰكنّه أظهر مجد الله بقوله “لعازر قم”. أتمنى لكلّ منّا أن يقيمه الرّبّ ويسكنه في ملكوته بٱسم الآب والابن والرّوح القدس آمين

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.