بعد صمتٍ طويل يبدأ الله عهداً جديداً مع البشر، يُرسل إليهم ابنه الحبيب، رأس البشريّة، ورأس الجماعة المؤمنة الجديدة
عماد يسوع فاتحة ظهوره للناس مخلّصاً تشهد له السماء بانفتاحها، والروح بنزوله عليه بشكل حمامة والآب باعلانه إيّاه ابناً مَرْضِياً :أنت هو ابني الحبيب، بك رضيت
ففي العماد ظهر الله في حقيقته أنّه ثالوث قدّوس: الآب بالصوت، والابن بشخص يسوع، والروح القدس بشكل حمامة. هذا الحدث التاريخي لا يقبل أي شكّ، لأنّ معمودية يسوع على يد يوحنّا حدثٌ مصيريٌّ في تاريخ الخلاص. فالإنجيليون الأربعة كلّهم يشدّدون على الظهور الإلهي الّذي حدث بعد العماد (انفتاح السماوات ونزول الروح، وصوت الآب)، من هنا سُمّيَ هذا الحدث بالدنح، وهي لفظة سريانية “دِنْحُو” تعني “الظهور والإشراق” أي إعلان سرّ الثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس في آنٍ معاً
فالمسيح، باعتماده، انتقل من ظلّ الحياة الخفيّة في الناصرة إلى نور الحياة العلنيّة بالتبشير. أضِف إلى ذلك، إنّ روح الله النازل على يسوع مثل حمامة إشارة إلى روح الله الّذي يَرِفّ في البدء على وجه المياه (تك1/2)، وفاتحة خلق جديد على يد يسوع المسيح. وقد تكون هذه الحمامة كحمامة نوح (تك8/10-12)، فالروح القدس هو مبدأ السلام وتجديد الخلق
لذلك العماد هو عبورٌ من ظلمة الجهل إلى نور الإيمان، من الولادة والبنوّة الجسديّة إلى الولادة الروحية الجديدة والبنوّة الإلهية لله الآب على مثال الإبن بقوّة الروح القدس؛ إنّه غسلٌ وولادة جديدة
بذلك، عندما نحتفل بـهذا العيد علينا أن نجدّد معموديّتنا بإعلاننا أنّ المسيح هو الإله الذي تجسّد لأجل خلاصنا. فكلّ مَن يعتمد باسم المسيح، كما ورد في رسالة القدّيس بولس إلى أهل غلاطية: “أنتم الّذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم” (3/27)، يَنَل الخلاص.
القديس كيرلّس الأورشليمي يقول: عظيمٌ هو العماد الموعود: إنّه إعتاق وغفران الخطايا، وموت الخطيئة والميلاد الثاني للنفس، وثوب النور وطابع مقدّس لا يُمحى
عماد يسوع في ماء الأردن وشهادة الآب له ونزول الروح القدس عليه، مثال العماد المسيحي بالماء والروح القدس: من يؤمن بالرّب ويعتمد بعماده وموته وقيامته يُصبح أخاً له وابناً للآب مثله وهيكلاً مقدّساً للروح. آمين