Enjil Al Yawm-Tafsir- 07/03/10

يأتي هذا المثل بعد مثلين، الأوّل مثل الخروف الضال، والمثل الثاني عن الدرهم الضال، ومغزاهما محبّة الله لخلاص الضال والخاطيء.وهذا المثل يشرح بدرجة اولى محبّة الآب، الذي خسر ابنين بِبُعدِهما عنه.
فالإبن الأصغر، يمثّل الشعوب الوثنية، التي راحت تجد راحتها وملذاتها خارج الله، وعندها عرفت ضلالها. ولكن ضياع الإبن الأصغر كان كبيراً جداً، إذ عند توبته اراد الرجوع كخادم، لكن اباه اعاده الى مرتبة البنين، فهو لم يكن حتى بعد توبته قادراً على معرفة وسع محبّة الآب له.
والإبن الأكبر، يمثّل اليهود، والآن نحن المسيحيين، الذين نعتبر أن كل شيء لنا، ونمنَعه عن غيرنا، فلا نَتقبّل غيرنا، ولا نساعده على معرفة الله، لكن الويل أن أصبح الإبن الأصغر داخلاً، والإبن الأكبر خارجاً، فالقرب بالجسد او بالإسم لا يعني شيئاً، حين يكون قلبنا خارجاً، فإمّا نحن مع المسيح او ضده. خاصة نحن المسيحيين وقد عرفنا المسيح وتسمَينا بإسمه، فسقطتنا ستكون أكبر من الإثنين، لأنّ ميراثنا اكبر.
فماذا يعلّمنا الإبن الأصغر؟ اوّلاً، يعلمنا أن الحريّة ليست بمطلقة، إنما الحرّية لديها حدود في الفكر والتصرّف، فالحريّة المطلقة تصبح هدّامة. ثانياً، الأنانيّة والتكبّر، فقد إعتبر نفسه المسؤول الوحيد عن حياته، فرفض الطاعة لأبيه معتبراً نفسه ناضجاً كفاية ويستطيع أخذ القرارات بمفرده. ثالثاً، البعد عن الله، لكن الله حاضر في كل مكان، وهذا ما كان يقوله المكرّم الأخ اسطفان “الله يراني” عند كل عمل يعمله. إذاً، فالله حاضر، امّا نحن من يضع الحواجز كي لا نراه، ولهاذا ارتبك آدم عندما سمع صوت الله بعد الخطيئة. امّا الذي يريد أن يعيش حياته مع الله، فهو قادر أن يراه ويشعر به ويذكره كلّ آن. فلنصنع إذاً مشيئته في حياتنا، معتبرين مرجعنا الله، وبيتنا هو الكنيسة، وحياتنا هي استمرارية القدّاس، كي نتقدّس، وإلاَّ الفراغ. فنحن نعيش في فراغٍ كبير، فراغٍ من الصدق، فراغٍ من المحبة، فراغٍ من الخدمة والمساعدة، فراغٍ من الأعمال الصالحة، فراغٍ من الخلاص… لأنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله” (لو 4/ 4). وهنا تأتي الصدمة مع المجاعة والإفلاس، خاصة أنه اصبح يعمل في رعاية الخنازير التي تمثّل اوسخ الحيوانات وأنجسها ففيها قد هرب الشياطين ونزلوا الى البحر مركز الشيطان حسب التقليد اليهودي. إذاً هو يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب التي تأكله تلك الخنازير، وهو في عالم الظلام، أمّا في عالم النور والحياة فأُجراء ابيه يشبعون من طعام مائدة ابيه. فعندها رجع الى نفسه، كما رجع يهوذا الى نفسه، من دون أن يعود الى المسيح، فعرف خطأه ولكنه لم يعرف ماذا يفعل، فشنق نفسه، وهاذا الإبن فعل بالمثل وقرر نكران البنوّة وتبني حالة الخدم وهاذا ايضاً ضلال. ولكن المهم التوبة، والإعتراف بالخطأ، ثم القيامة : “اقوم وأمضي الى أبي”. وهنا محبّة الأب، فكان ينتظره وقد رآه من بعيد، هاذا هو رمز حب الله لنا، واكثر فقد البسه ثوب البنوّة، ثوب المجد بدل ثوب الهوان.
لكن العجب بعد كل هذا الفرح بعودة الإبن الأصغر، حسد الإبن الأكبر، الذي كان مقيّداً بسلاسل الشريعة دون أن يدخل لا في منطق المحبة والغفران ولا في منطق حريّة ابناء الله، لهاذا بقي على هامش محبّة ابيه، فقد كان بالجسد قريب، لكن قلبه كان بعيداً جدّاً

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.